سُنّةُ التّأخير وأدب الانتظار

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،
نتكلم اليوم عن سنّة إلهية يغفل عنها الكثيرون وهي سنة التأخير أو الإمهال، أي كيف أن الله تبارك وتعالى يؤخر حصول أمور معينة قد تبدو للخلق ملحة وعاجلة فيسيء بعضهم الظن بربه.
كتأخير إجابة الدعاء، تأخير النصر، تأخير الانتقام من الأعداء وإمهالهم، تأخير الزواج، تأخر الإنجاب، تأخر النجاح، تأخير الحصول على عمل، تأخير تأخير تأخير
فلماذا هذا التأخير؟ وما هي الآداب التي يجب أن نتحلى بها خلال مدة الإنتظار؟
بداية علينا أن نعرف أن الإنسان مجبول على العجلة وأن عدم استعجاله مخالف لفطرته فهذا يحتاج منه لمجاهدة وتزكية نفس ولا يكون ذلك إلا بالعلم والإيمان
(خلق الإنسان من عجل سأريكم آياتي فلا تستعجلونِ) الأنبياء 37
(وكان الإنسان عجولا) الإسراء 11
(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْف) الروم
(وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا) النساء
قيل عن آدم: استعجاله بالخلق أو القيام
إذًا، فخلق الإنسان بطبيعة تتعارض أحيانا مع سنة الله في تأخير بعض الأمور رغم قدرته على تعجيلها لحكمته وعلمه… من الامتحانات والابتلاءات التي قدرها الله على الإنسان.
هي مثل فطرة الإنسان على الشهوة وتحريم الزنا
ونعطي مثالا عن ذلك من بداية سورة القصص
بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ
وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ
وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ
وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ
إذن الحل لبني إسرائيل من العذاب الذي كانوا يعانونه كان في هذا الطفل، الذي سيكبر ويقتل ويهرب من المدينة ويتزوج ويمكث عشر سنوات لقضاء المهر ثم يوحى إليه فيعود ليبلغ الرسالة هو وأخوه ويهزمان السحرة ويدعوان الله ويجيبهما (قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ )(89) سورة يونس
ثم (قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ۚ) الأعراف 130 وقيل أهلكه بعد أربعين سنة من دعاء موسى وتأمين هارون وراءه ، لأن حكمة الله اقتضت عدم إهلاك فرعون وأعوانه إلا بعد حين .
ودعا نبي الله يعقوب عليه السلام ان يعيد الله إليه ابنه يوسف وبكى وتذلل في دعائه حتى ابيضت عيناه … ثم ابتلاه الله مرة أخري بفقد ابنه الثاني شقيق يوسف … فهل تعلم بعد كم سنه رأى يوسف .. بعد أربعين سنة.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه وهم يعذبون في مكه ويقتلون بأن الله سينصر هذا الدين ويمكن لهم في الارض … فهل تعلم كم مكثوا في العذاب والضعف … ثلاثة عشر عاما .
الأمر يتعلق بفهمنا لطبيعة الدنيا وفحوى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) الذاريات
المشكلة أننا نفترض استحقاق أمور على الله لنا ونعامله بهذه الطريقة.
نفترض أننا لن نمرض لأنه من حقنا أن نعيش أصحاء (من قال هذا)
نفترض أننا لو مرضنا وأخذنا االدواء يجب أن نشفى مباشرة (من قال هذا)
نفترض أن الطفل لا ينبغي أن يموت لأنه صغير (من قال هذا)
نفترض أن من حقنا أن نكون أغنياء (من قال هذا)
نفترض أن لا بد أن نتزوج وننجب ونعمل ونحقق أحلامنا وطموحاتنا…
ويضحكون علينا في التنمية البشرية إذا أردت فأنت تستطيع… كذب
وفيديوهات تملأ وسائل التواصل بقصص مفادها (إنما أتيته على علم عندي) قول قارون
أنت تؤجر على النية والسعي وتأخذ بالأسباب ولكن يبقى السبب الأساسي الذي تبطل دونه الأسباب هو مشيئة الله
فلو أتيت بجميع الأسباب التي تملكها ولم يشأ الله سيحدث ما يؤخر الأمور أو لا يكتب لها الحصول

قصة أسماء والسرطان (مذكورة في المقطع)

{لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ } [ الشورى 49-50] إذن هو عليم بحالنا وما نريد وما نحب قدير على تحقيقه رغم ذلك فقد يؤخره لحكمة…
ولذلك نجد أن كثيرا من الآيات التي تتحدث عن اختيارات الله أو تأخيراته لأمور معينة ارتبطت بالعلم والحكمة وذكرت بالقدرة
{وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً}النساء104
{وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً}الإنسان30

أو العلم والقدرة
(وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا )﴿٤٤ فاطر﴾
(يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ )﴿٥٤ الروم﴾

۞ (وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً ۚ وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) (100) النساء

قصة الجائع الذي تمنى الإطعام

نعمل وندعو ونصبر عبادة.. لا نستعجل النتائج ولا نؤكد حتمية حصولها بل نأمل بذلك ونحسن الظن

أدب المنتظر:
1- الصبر والتسليم
2- إحسان الظن بالله بعلمه وحكمته وقدرته
3- الرضا والإيمان بأن أمر المؤمن كله له خير
4- القنوت والسكينة والتسليم من الصدمة الأولى وعلى طول السبيل
5- عدم شكاية الخالق للخلق
6- التأدب بالألفاظ وعدم الاستعجال
7 – التذلل بين يدي الله
8- الامتثال للأوامر قدر المستطاع وعدم الاحتجاج بالتأخر
9- الاستمرار بالأخذ بالأسباب وعدم اليأس
10 – التفاؤل (البلاء موكل بالمنطق)
باختصار… لك حاجة عند ملك وأمرك بالانتظار في البهو حتى يدخلك عليه وأنت واثق من قدرته على تنفيذ ما جئت لأجله… المكان كله حراس وكاميرات … كيف يكون حالك في الانتظار وإن طال؟

 

 الثلاثاء 14\11\2023 الساعة 10:45 ظهرا

المدّة: 35 دقيقة

شادي المرعبي

 

قم بكتابة اول تعليق

اترُك تَعلِيقًا

لَن يَتُمَّ نَشرُ بَرِيدِكَ الإلكترُونِي فِي العَلَن