
تُرى لو اجتمع هؤلاء في أُمسيةٍ شعريّةٍ، كم سيكون عدد الحضور؟

من اليمين، إيليا أبو ماضي، شاعر لبناني جميل (1889–1957)، عُرف بجمال لغته وعمق معانيه، أنشد الحكمة فأبدع، ومن أشهر قصائده: “كم تشتكي” (أنشدها العفاسي)، و”أيها الشاكي”. أثار الجدل بقصيدته “الطلاسم”: جئت لا أعلم من أين، ولكني أتيت… ورغم ما يُؤخذ عليه من تغرق فلسفي، تبقى شاعريته راسخة. و”كلٌ يُؤخذ من قوله ويُرد عليه” إن جاز التعبير.

ثُمّ عمر أبو ريشة، شاعر سوري (1910–1990)، جمع بين رصانة اللغة وجمال التصوير، وكان أحد رموز الشعر القومي الحديث. من أشهر قصائده: “أمتي هل لك بين الأمم…”، و”بلادي لا يزال هواك مني”. تميّز بجزالة بيانه، لكنه وُصف أحيانًا بالمباشرة في بعض الخطاب السياسي، ومع ذلك بقي صوته الشعري صادقًا. في الغزل، قصيدة قفي لا تخجلي مني قطعة من القلب تأخذ بلبّ من جرّب الحبّ. أنا شخصيا تعجبني جدًّا وأسمعها من الحبن للآخر.

ثُمَّ محمود درويش، شاعر فلسطيني (1941–2008)، رمز القضية وأيقونة الشعر المعاصر. كتب بالعربية الفصحى، ووقف بين القصيدة العمودية والتفعيلة، فكتب عروضًا ملتزمًا أحيانًا، وانطلق بالتفعيلة حرًّا في كثير من أعماله. أثارت قصائده جدلًا بين من رأى فيها تجديدًا ملهمًا، ومن انتقد بعض نزعاتها الرمزية والتفلت من القيود الشعرية، لكنها بقيت نبضًا صارخًا… في بعض الأحيان أشعر بالحاجة إلى أن أستمع لكلماته لساعة متواصلة.

ثُمَّ أحمد شوقي، شاعر مصري (1868–1932)، لُقّب بأمير الشعراء لجزالته ورصانة بيانه. برع في الشعر العمودي وكتب المسرحيات الشعرية، وأبدع في المديح النبوي كـ”ولد الهدى” و”نهج البردة”. يأخذ عليه بعض النقّاد تقليديته ومبالغته في التزويق، لكن أثره في النهضة الأدبية لا يُنكر، وشاعريته لا تغيب.

ثُمَّ محمد مهدي الجواهري، شاعر العراق الكبير (1899–1997)، كتب بالفصحى والتزم عمود الشعر، وامتاز بسلاسة الألفاظ وقوة البيان. من أشهر قصائده: “يا دجلة الخير” و”تنوح الطير”. تعرّض للانتقاد بسبب مدحه السياسي لبعض الشخصيات المكروهة، لكن يبدو أنه كان مضطرا أو أن الأمور لم تكن واضحة لديه بعد،غير أن قريحته الفذة وشاعريته الفخمة فرضت مكانته. شخصيا كلما سمعت “لقد أسرى بي الأجل” أو ما عاد عندي ما يبتزه الألم” لا أكاد أتمالك نفسي عن البكاء.

وأخيرا، نزار قباني، شاعر سوري (1923–1998)، أحدث ثورة في الشعر العربي الحديث، جمع بين الرقة والتمرد، وتنوّعت قصائده بين العاطفة والسياسة. من أشهرها: “خبز وحشيش وقمر”، و”رسالة من تحت الماء”. انتُقد أحيانًا لتجاوزه بعض القيود وجرأته في التعبير، لكن تأثيره الواسع لا يُنكر، وصوته بقي حاضرًا في وجدان الأجيال. وفي رأيي فقد ظَلَمَ كثيرًا وظُلِمَ كَثيرا. ظَلَم حين أدخل الذات الإلهية في مجازه وتعبيراته بشكل غير لائق ومرفوض شرعا، وحين جعل انتقاده للخليج وبترول الخليج مادة دسمة لسخريته الشعرية، وظُلِم حين أخذ عليه البعض توجهاته وأخطائه لينقضوا شاعريته بالكامل وكأنه لم ينظم قصيدة “غرناطة” التي لو لم يكن له غيرها لكفته.
وكتبه شادي المرعبي
في 25 ذو القعدة 1446هـ
الموافق له
23 مايو 2025 م
قم بكتابة اول تعليق