
بعد مرور سنة على حرب غزة تبيّن للعالم أمور كان الكثيرون غافلين عنها، فشريعة الغاب تحكم الأرض وتتحكم في مقدّراتها… الحقّ مع القوّة… والسُّلطة مستمدّة من القوّة والمعارضون في خطر إلا إن كانت مصادر القوة خلقتهم لتخلق التوازن الكاذب لتطييب خاطر الضعفاء وإيهام الرأي العام بوجود معارضة وضغوطات.
لم تترك الأحداث فينا إنسانًا سليمًا، فالمتابع للأخبار محبط متعب لا يمكنه العيش كما كان يعيش سابقًا، والمتجاهل للأخبار شيءٌ ما قد قُتِل بداخِله، شيءٌ قيّمٌ، غيابه يطعن بإنسانية المرء وقيمة وجوده.
الخوف يحيط بنا من كل جانب، ربّما هذا ما يريدونه؛ أن تخاف من عدو حقيقي يتربص بك وبأمّتك من ناحية وتخاف من مؤيدين له ذوي سلطة منتشرين حول العالم من ناحية أخرى وتخاف من خيانة أبناء جلدتك كذلك، حتى رفع علم بلد شقيق أصبح تهمة في بعض الأنحاء!
العالم عامة والأمّة خاصة فيهما خير كثير لكن موازين القوى ترجح لكفّة الشّرّ، وأهل الشّرّ خائفون لا شكّ ويحذرون من تقلُّب الأحوال لذا نرى القمع الشّديد للتظاهرات السلميّة والوقفات الاحتجاجيّة ونرى التّتبع المزعج للقيِّمين على وسائل التواصل الاجتماعي حتى بات البعض يكتب بلغة هجينة من أحرف عربية وأجنبية وأحيانا رموز لكي لا تُلغى منشوراته أو تحذف.
الديموقراطية أكذوبة يُضحك بها على السُّذج لإقناعهم أنهم شاركوا في الاختيار حيث لا يُسمح إلا لأناس معيّنين بصفات محددة أن يكونوا في الواجهة ويرى العبد نفسه مضطرًا أن يختار السيّد صاحب الضرر الأقل ليحكمه ثُمّ ليُلام على اختياره بعد ذلك ويتحمّل المسؤوليّة!
الحريّة لم تكن يومًا مُطلقة والدّعاية الغربية للحريّات يُقصد منها النّيل من الثوابت الدينية والأخلاقية والعرفيّة بِنية إفساد المجتمعات وتمزيقها وتشتيتها وتشتيت العائلة والأسرة وخلق حالة من الفوضى تجعل الفرد سهل المنال والاقتناص عبر الشاشات الموجّهة المختلفة.
حين تتحدّث عن الحريّات فالإنسان الغربي بدأ يستوعب أنه لا يختلف كثيرا عن الإنسان الشرقيّ، بل في بعض الأحيان تصبح المجتمعات في الدول المُنظَّمة أكثر عرضة للتحكّم والسيطرة بسبب الأنظمة الصارمة والقدرة على الوصول للأفراد والمعلومات بضغطة زرّ!
للحدّ من الحريّة المزعومة يتمّ سنّ قوانين مُحكمة تطال الأفراد فقط لأنهم تكلموا عن واقع معلوم، كالحديث عن اليهودية كونها الدين القومي لدولة الصهاينة وكونها سببًا كافيا كديانة للحصول على الجنسية الإسرائيلية. ويتمّ مهاجمة من يتطرأ لذلك بحجة معاداة الساميّة مع أنه قد يجهل معنى السّامية أصلا فضلا عن معاداتها. بينما لا يعتبر المساس بالدين الإسلامي معاداة للمسلمين والعرب أو المساس بالدين النصراني معاداة للروم أو الغرب.
إن منّا إلّا ولديه حدود ومساحة للتّحدّث، دعونا لا نختبئ خلف أصابعنا. حتّى أجرأ المعلّقين من السياسيين والشعراء والكتّاب -عند الانتقاد -يُسقطون عمدًا ذكر بعض الدّول التي لا يمكنهم المساس بها لأنهم يقطنون بها أو ينوون زيارتها، وهذا -لعله -من الحكمة لكن العجيب لَمَن يعجز عن نقد دولته أو الدولة التي يعمل فيها وينتقد من ينتهج النهج نفسه مع دول أخرى.
ظهرت بعض الدّول الرّافضة لهذه الهيمنة العالمية، وبرزت أصواتها في زمن صعُب فيه التحدّث، هذه الدول عانت وستعاني من مغبّة رفع صوتها ولا يمكن التنبؤ بمصيرها إلا في حال كانت شعوبها على الوعي الكافي للالتفاف حول ساستها وعدم خيانتهم أو الانقلاب عليهم والانقياد للفتنة بتحريك خارجي.
عنوان المرحلة كان اختلاف المعايير، لقد بدا واضحا للجميع أن أوكرانيا في عيون الغرب ليست كفلسطين، خاصة حين ترى أن من الأوكرانيين أنفسهم من يدعم إسرائيل. حتى نصارى الشرق الذين استُهدفت كنائسهم وبعض رموزهم وصحفيِّهم صار أكثرهم على يقين أنهم لا يعاملون في مستوى نصارى الغرب مع أنهم هم الأصل والغرب تبع لهم في عقائدهم.
الكيان المُسمّى دولة إسرائيل يفتقر إلى مكوّن أساسي من مكونات الدّولة وهو الأرض وهذا المكوّن يطعن بالمكوّن الثاني والأساسي أيضًا وهو الشّعب إذ هو خليط لا يكاد يجمع بينه شيء حتى الدين رغم اعتماد اليهودية غير أن كثير من المستوطنين ملحدين جلبتهم المصلحة والعروضات السخيّة من المنظّمات التي تريد جمعهم على أرض ليست أرضهم.
هذا الكيان اغتصب الأرض فقتّل أبناءها وهجّرهم وهو يعمل على إبادة ما تبقّى منهم على مسمع ومرأى من العالم كلّه تحت تغطية دول تدّعي أنها كُبرى لامتلاكها القوّة والسطوة الناتجة عن ضعف العرب والمسلمين بسبب بعدهم عن مصادر قوتهم كالدين واللغة والالتفاف حول القادة الصالحين وعدم التفرق وعدم الخيانة والتبعية للآخر…
أصبح من الواضح أنّه لا يُراد للدّول المحيطة بهذا الكيان أن تستقرّ لأن في استقرارها تهديد لأمنه القومي، لذا خُطِّط لها أن تعاني الحروب والثورات والقلاقل والتدهور الاقتصادي ضمن أزقّة ضيّقة ومجالس سريّة لا يخرج المعارض لما تقرّر على قدميه فهو إمّا مع أو- كان- معارضًا!
لاحظ الكثيرون أن بداية حرب غزة ترافقت مع اختفاء جماعات كانت قد خُلقت من قِبل الاستخبارات الأمريكية تحديدا وبعض الاستخبارات العالمية عامّة لأن أدوارها قد انتهت في المنطقة فلم نعد نعرف عنها شيئا ولا نسمع عنها بيانا وصار التسابق في الانتخابات الأمريكية إلى إرضاء إسرائيل بدل القضاء على الإرهاب المُختلق.
البيئة في خطر عندما تستعمل كيسًا من أكياس النايلون أو تشرب بالشرّاقة (الشلمونة) البلاستيكية ولكن يزول الخطر عندما يقوم الكيان المدلّل بإلقاء آلاف الأطنان من القذائف والصواريخ بشكل يومي ولسنة كاملة على مساحة ضيقة من الأرض، قد ترجع آثار مخلفاتها وسمومها على المنطقة كلها بالسوء بما فيه مستوطنوها (المسالمون) القادمون على ظهور الدّبّابات.
نحن مخترقون بشكل كبير إن لم يكن كليًّا… الأجهزة التي نتباهى بحملها أصبحت أجهزة تتبع لحركاتنا وسكناتنا وخزّانات معلومات عنّا؛ عمّا نظهره ونبطنه.. ويمكن أن تكون في أي لحظة عبوات ناسفة يصطادنا عدوّنا من خلالها ساعة يشاء.
الأخبار التي تردنا من مصادر محدّدة، والأسئلة كثيرة حول سبب السماح بنقل المجازر في مكان ما وعدم توفر البث أو القدرة على النشر في أماكن أخرى تعاني من الظروف القاسية المشابهة؟ هل تهدف بعض قوى الشّرّ للضغط محليًّا وعالميًا بالسماح للإعلام من إظهار الواقع حيث تشاء، وللتستير على الوقائع التي لا فائدة لهم بنشرها في أماكن أخرى؟
عندما تتحرج بعض الإذاعات من ذكر كلمة شهيد على من قُتل في غارة بل وتتراجع عنها إن خرجت سهوًا فاعلم أنّ قيمة بعض الصحفيين بقيمة المعاشات التي يتلقونها وأن الكلمة نعم الكلمة صارت تُنخل بالمناخل كي تُرضي أصحاب الأمر والنفوذ.
رغم انفضاح خدعة الذباب الالكتروني إلا أنّ شعوبنا ما زالت تسقط فيها ولا يكاد البعض يعدّ إلى ثلاثة قبل أن ينشر منشوره أو يجدّد النيّة أو يعرف سبب نشره أصلا!
استطاع الإعلام خلط الأفكار على المتلقي بطريقة رهيبة، لذلك يُنتقد الذي يُظهر حُزنه اليوم على لبنان (ولو كان لبنانيًّا) وما يجري به مما يصيب أناسًا أبرياء ليس لهم علاقة بحزب إيران ولا غيره وممّا يؤثر في البنية التحتية المنهكة أصلا ومما يؤثر على التجارة والسياحة والأمن الغذائي… فبحجّة بضعة آلاف يُبرّر انتهاك حُرمة الملايين وتخويفهم والاستهزاء بهم وبحالتهم.
التكنولوجيا التي يُسمح باستخدامها بين الناس لا ترقى لمستوى التكنولوجيا التي تختزنه بعض الدول لذلك فإن منافسة هذه الدول في الوقت الراهن لا يكون بالتسابق معها تكنولوحيًا لأنها ستعطيك من السموم ما تملك ترياقه لئلا تستخدمها ضدّها، وإنّما النّجاة بالحدّ من استخدام بعض أنواع التكنولوجيا وفحصها قبل استخدامها من قِبل الخبراء، وترشيد استهلاكها، هذا ما يجعل الدول المتغطرسة تحسب حساب كوريا الشمالية أو من فكرة النّووي نفسها.
قد يستغرب البعض تبرير الاحتلال لبعض المواقف رغم أن لا أحد يكترث لكن هذا إن دل على شيء فهو يدلّ على أهمية الرأي العام الذي يريدون إقناعك أنه لا يُهمّ كي تسكت أنت ويبقون هم المتكلمين الوحيدين في السّاحة فتكون رواياتهم هي الحقيقة التي لا تنافسها روايات أخرى.
قد تبدو عبارة “من النهر إلى البحر” أبسط من أن يُجرّم عليها النّاس في بعض الدول لكنّها تعظم في نفوسهم ليس لأنها تدعو إلى إبادة شعب كامل، كلا، فالقائل بها يعني استعادة استقلال فلسطين وليس إبادة اليهود كما يزعمون ولكن حتى فكرة عودة فلسطين كاملة للفلسطينيين مع السماح لليهود أن يكونوا جزءًا من هذه الدولة مع الالتزام بقوانينها وتسليم السلاح… هذه الفكرة غير واردة لديهم أصلا ويبغضونها أكثر ممّا يبغضون فكرة الإبادة.
العلاقة بين إسرائيل وأمريكا (ومن سلك مسلكها) علاقة تكافلية قائمة على التعاون المتكافئ من وجهة نظر السياسيين في البلدين خلافا لشعوب أمريكا وأوروبا التي تؤمن بأنّها علاقة استغلالية قائمة على هيمنة اللوبي المتحكّم بسياسات تلك الدول. وعلى أيّة حال يسعى الكيان الصهيوني لتحقيق حُلم ونبؤات بعضها محرّف وبعضها مؤلّف مع إظهار الاقتناع بأن الوعد الإلهي أمر كافٍ للهيمنة والقتل والاحتلال والتوسع المُجرّم دوليًا، بينما تسعى الدّول السّاندة لها على استمرارها كعنصر حراسة ومراقبة واستفزاز لأخذ الخوّة من الدول المحيطة والتدخل في شؤونها وقراراتها ومقدّراتها.
الرَّبا الذي بدأته العائلات اليهودية المعروفة في أوروبا ونشرته هناك ثم في العالم، آفة تجعل الأزمات تتوالى والأسعار ترتفع والفروقات بين طبقات الناس تصبح أكثر حدَّة ليتمّ ترفيه نسبة ضئيلة من سكان الأرض على حساب الأغلبية الساحقة التي يجب أن تبقى مختنقة تبحث عن لقمة عيشها ولا يتسنى لها أن تفكّر بالتغيير أو الاعتراض.
ما فائدة الجمعية العامّة للأمم المتحدة ومجلس الأمن إن كان القرار محتكرًا من خمس دول لكل واحدة منها حق الفيتو؟ وما قيمة منظمة الغذاء العالمي حين يموت أطفال ونساء غزة من الجوع على مدار سنة ويموت الرجال تحت القنص أو الصناديق حين يحاولون التقاط المساعدات الجوية؟ وما الدّاعي لمنظمة الصحة العالمية إن لم تستطع إيقاف نسف مستشفيات بأكملها في منطقة هي أحوج ما تكون إلى مستشفى؟ أليس هذا من الهدر والدّجل؟
هذا والله غالب، وإنّما هذه الدّنيا دار ابتلاء وتمحيص، والعاقبة للمتقين، اللهم إنّا نسألك فرجًا عاجلا لهذه الأمة وأمنًا وإيمانًا وسلامة وأجواءً ترضى بها وترضيك عنّا يُعزُّ فيها التوحيد وأهله ويُذلّ فيه الشرك وأهله ويُأمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر… والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمّدوعلى آله وصحبه ومن والاه…
وكتبه شادي المرعبي في السابع من أكتوبر 2024
قم بكتابة اول تعليق