(008) أحاديث الكبار

صُوَرٌ مِنَ المَاضِي

شادي أحمد فاروق المرعبي

خلال مرحلة الرّوضة، لم يكن التلفاز قد دخل بيتنا بعد. كنّا بدأنا نسمع عنه، ولكن لا نراه حتّى عند من نزورهم، إذ لم يكن شرطًا من شروط العيش، ولا جزءًا لا يتجزَّأ من العفش. كانت أحاديث الكبار هي ملاذنا من الضجر، وعدد الإخوة هو ملجؤنا من الوحدة. كنّا نجلس السّاعات نستمع إلى أحاديث أمي وداد وماما حياة تحدّثاننا عن كلّ شيء؛ عن طفولتهما وشبابهما وطبيعة العيش في زمانهما… كانتا خير صديقتين لي ولإخوتي الثمانية لا نمل حديثهما ولطالما طلبنا إعادة قصة أو رواية حادثة قد ذكرتاها سابقًا لشدة إعجابنا بها. أمّا أمّي فقد حبّبت إليّ القصص والروايات ، كانت قارئة نهمة تنتقل من كتاب إلى كتاب تستأنس في غربتها عن دمشق وأهلها. وأما ماما حياة فقد حبّبت إليّ التّاريخ نظرًا لكبر سنها فقد كانت تكبر أمي بأكثر من عقدين من الزمن. عاصرت الحرب العالمية الثانية وكانت تدعوها بحرب هتلر ولديها قصص كثيرة عن العصملِّيِّن (العثمانيين كما كانت تنطقها) والفرنسيين والإنجليز وأخبار البكوات والباشوات والاغوات والفلاحين… وكانت -رحمها الله – رغم كبر سنّها قلّما تعيد حديثًا أو تكرّر قصّة إلا لو سألناها ذلك. وكانت تنسب معظم هذه الأخبار للحاجّة؛ تعني زوجة أبيها التي أُلزمت على العيش معها بعيدا عن أمها بعد انفصال والديها.

أمّا أبي فقد كان منطقه مشوّقًا جدًّا لا ترفّ العيون الناظرة إليه خلال حديثه غير أنه لم يكن – في الغالب – يوجّه الأحاديث إلينا مباشرة بل نسمعها منه وهو يخاطب بها الكبار فنرنوا إليه بأبصارنا وقلوبنا، ولم يكن يظفر أحد من الصّغار بحواره إلا إذا وقع الاختيار عليه يومًا ما ليصحبه معه في رحلة عمل لنهار كامل.  

قم بكتابة اول تعليق

اترُك تَعلِيقًا

لَن يَتُمَّ نَشرُ بَرِيدِكَ الإلكترُونِي فِي العَلَن